عندما بدأ الكيميائي فرِد هولتسهاور وظيفته في شركة منظفات في عام 2008، كانت مهمته الأولى صناعة قرص تنظيف يُستعمل في غسالة الصحون، ولا يحتوي على أيّ مشتق لمادة البولي أكريليت، أو أي من المكونات شائعة الاستخدام بالمنظفات الأخرى، ويُعتقَد في أثرها الضار على صحة الانسان والبيئة. لا شك أن هذا المنظِّف يجب أن يعمل بصورة جيدة في غسالة الصحون، وأن يستمر صالحًا للاستخدام لعدة أشهر على سندات العروض، دون أن يتحلل أو يفقد فعاليته، كما يجب أن يكون سعره مناسبًا.
في البداية، قام هولتسهاور بتجميع أفضل المواد الكيميائية لتصنيع المنظف، ثم حاول أن يجد بدائل للمكونات التي يريد تجنبها. كانت لديه أفكار من خبرته الممتدة إلى ثلاثين عامًا في تركيب المنظفات الصناعية، والدهانات، والطلاء، ولا سيما مواد «التمخلب» chelates سهلة التحلل، ومواد البناء، والبوليمرات. وتَوَاصَل مع كيميائيين آخرين؛ ليوسع دائرة أفكاره، كما جمع عينات واختبرها في غسالات صحون خاصة بالشركة. وأمضى عامًا ونصف العام يعمل بهذا المشروع في شركة «ميثود برودكتس» بسان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا. وحاليًّا، يباع اختراعه على الإنترنت، وفي المتاجر الأمريكية.
ويمثل ما أنتجه هولتسهاور نموذجًا لمجال فرعي مزدهر بالتصنيع الكيميائي، يُطلق عليه «الكيمياء الخضراء»، أو «الكيمياء صديقة البيئة». ومثلما يكشف الاسم... يتناول هذا المجال التأثيرات الصحية والبيئية للمنتجات الكيميائية وتفاعلاتها.
بالرغم من غياب القيود على استخدام الكثير من المكونات الكيميائية، أصبح المستهلكون والشركات يتجنبونها على حد سواء. وقد حدث ذلك من خلال ارتفاع الوعي العلمي بآثار هذه المكونات على صحة البشر والبيئة، حيث صار المستهلكون يفحصون قائمة المكونات، وازدادت معرفتهم بما يتعرضون له عندما يأكلون، وينامون، وينظفون المنزل. ومن ثم، تحولوا إلى قوة ضاغطة على المصنِّعين ليقلِّلوا من استخدام المكونات التي ثبت ـ بشكل شبه قاطع ـ أنها تؤثر سلبيًّا على صحتهم، أو ليتخلصوا منها. وتتراوح الأضرار الصحية ما بين مواد يشك في أنها مسببة للسرطان، وأخرى تسبب خللًا هرمونيًّا، وتتداخل مع وظائف نظام الغدد الصماء في جسم الانسان، أو مواد يمكنها تدمير الثروة السمكية، إذا انتهى الحال بها في البحيرات والجداول المائية.
في العديد من الدول، يُطلب من المصنعين والشركات الأخرى ـ بموجب القانون ـ أن يحدُّوا من انبعاثات الكربون والملوثات الأخرى، أو يقضوا عليها. يقول كريس مودي ـ الباحث في علم الكيمياء في جامعة نوتنجهام بالمملكة المتحدة ـ إنه «في العصور السابقة، كان علماء الكيمياء الطبية لا يهتمون بطريقة صناعة الجزيء، بقدر اهتمامهم بصناعته فحسب. أمّا في هذه الأيام، فهم يضعون عنصر الاستدامة في اعتبارهم منذ البداية».
قاعدة عريضة
ينبغي على الباحثين الذين ما زالوا في مقتبل حياتهم المهنية، ويريدون التخصص في مجال الكيمياء صديقة البيئة (انظر: مجال ينطلق نحو القمة)، أن يهتموا بالتدريب في مجالات علم السموم، والاستدامة، وتقييم الأثر البيئي للمنتجات. وأكثر المجالات التي تطلب متخصصين في الكيمياء صديقة البيئة هي المجالات الصناعية، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا، وصناعة الدواء، والتكنولوجيا الحيوية، وصحة المستهلك. وهناك طلب عليهم أيضًا في شركات الترفيه ومكاتب الإمدادات. كما ينبغي على الباحثين أن ينموا مهاراتهم التسويقية، ويحسِّنوا فهمهم لسوق العمل والتصنيع، وأن يصبحوا مطَّلعين بشكل جيد على كافة القوانين واللوائح ذات الصلة. يقول مارك ماسون، مدير «كلية توليدو للكيمياء صديقة البيئة والهندسة» في أوهايو: «سيكون هناك بعض الوظائف التي تفضِّل وجود خلفية تجارية. والبعض الآخر سيحتاج إلى معرفة بتقييم الأثر البيئي وعلم السموم. لقد أصبح الطلب متزايدًا على الأشخاص ذوي المهارات المتعددة».